قوة البلاغه في سورة الكافرون ((سبحانه ما اعظمه ))
من أروع ما قرأت في أساليب القران وفنونه البليغة ومنها التكرار
في قوله تعالى ((قل يأيها الكافرون *لا أعبد ما تعبدون ))
يحكى أن بعض الزنادقة سال الحسن بن علي رضي الله عنه عن هذه الايه فقال :إني أجد في القران تكرارا وذكر له ذلك ،فأجابه الحسن بما حاصلة :أن الكفار قالوا :نعبد إلهك شهرا وتعبد آلهتنا شهرا ،فجاء النفي متوجها إلى ذلك .
والمقصود أن هذه ليست من التكرار في شئ،بل هي بالحذف والاختصار أليق ،وذلك لان قوله تعالى (( لا أعبد ما تعبدون )) أي لا اعبد في المستقبل ما تعبدون في المستقبل وقوله (( ولا أنا عابد ما عبدتم )) أي ولا أنا عابد في الحال ما عبدتم في المستقبل وقوله
(( ولا أنتم عابدون )) في الحال ما اعبد في المستقبل .
والحاصل أن القصد نفي عبادته لآلهتهم في الأزمنة الثلاثة:الحال ،والماضي ، والاستقبال ،والمذكور في الايه النفي في الحال والاستقبال ، وحذف الماضي من جهته ومن جهتهم ،ولابد من نفيه ،لكنه حذف لدلالة الأولين عليه .
وفرق آخر ، وهو انه قال في نفيه الجملة الاسمية (( ولا أنا عابد ما عبدتم )) وقال في النفي عنهم (( ولا انتم عابدون ما أعبد )) عائد في حقه بين الجملتين ، وقال (( لا أعبد ما تعبدون )) بالمضارع ، وفي الثاني (( ولا أنا عابد ما عبدتم )) بالماضي ، فان المضارع يدل على الدوام ، بخلاف الماضي ،فأفاد ذلك أن ماعبدتموه ولو مرة ما أنا عابد له البتة ، ففيه كمال براءته ودوامها مما عبدوه ولو مرة ، بخلاف قوله (( لا أعبد ما تعبدون )) فان النفي من جنس الإثبات ، وكلاهما مضارع يظهران جمله ومنفردا .
سبحـــــــــــــــانه ما أدق وأعظم بلاغه كتابه
المرجع / البرهان الزركشي