بمجرد أن رأيت النور لأول مرة التحقت بمدرسة الحياة ,ليس لأنها جميلة أو ماشابه , بل لأنها كانت الخيار الوحيد أمامي ...الخيار الذي لم أخير فيه حتى ...ومن سخرية القدر منا نحن البشر أننا لم نكن نفهم كفاية لنسأل ان كانت الوحيدة في الضواحي أم لا ...المهم...كنت صغيرة جدا آنذاك وسمعت البعض يقول أن موجد المدرسة هو الذي اختارني مع الكثيرين لنقصدها .
غريب لم أكن أفهم حينها ماهية الشعور ,فجلست على احدى الطاولات لوحدي وسعان ما انضم الي بعض الأصدقاء .
في البداية كنت خجولة جدا وخائفة وكنت مهمشة حتى ولو لم أكن كذلك , فدخل الأستاذ "زمن" مدرس مادة الوقت "يا الاهي ما أصعب هذه المادة" كنت في الغالب ارسب فيها رغم أن شرح كتاب المادة الذي عنوانه "حتى الدقيقة من ذهب" كان وافيا ...
من كثرة الأساتذة الذين دخلوا الحصة في الثانية لم أعد أذكر الكثير منهم , لكنني لم أنسى أستاذي وأبي الفاضل السيد "ذكاء" مدرس مادة العلم الذي وبدون افتخار فهمت نتيفات من الكتاب الذي قدمه الي, كان عنوانه "العلم مثل الحياة خطوات فاخطها ولا تأبه ان تعثرت بضع مرات" , كنت تلميذة مجدة في صفه.
ولا شك أني لا أنسى استاذتي "طبيعة" الجميلة ...المبتسمة...و الغاضبة في آن ...قبل أن أراها أول مرة سمعت أنها تجسد قدرة الموجد أو بالأحرى جزءا صغيرا من قدرته ...الموجد الذي وظفها عنده في مدرسة الحياة , كانت هذه الاستاذة أما عطوفا ...كنا أبناءها أخوة أبنائها غير الاشقاء :"بحر" الغامض ,"سماء" المتلألئة و "رياح" العاصفة وأيناؤها كثيرون كثيرون ...علاماتي عندها في الغالب مقبول على العموم ...على كل حال كان كتاب مادة الآنسة طبيعة وهو بعنوان "الأسرار والأغوار" مبهما .
أما الحصة التي كان الاولاد يحبونها وأنا أولهم حصة الآنسة "نفس" التي كانت مرحة جدا ...مجنونة ورزينة ...قبيحة وجميلة ...ما أغربها هذه النفس .
كانت حصتها مرحة الى أن دخلها بعض الأشقياء ...مرة أذكر أن الفتاة غير المهذبة "أنانية" كانت تجعل الآنسة نفس تمنع عنا الدروس , الفتى الشرير "ظلم" كان يجعلها تضطر لضربنا أحيانا بدون سبب ناهيك عن "شر" الذي كاد يوما يتسبب لها بسكتة قلبية .
غضبت مرة غضبا شديدا وحزنت كثيرا فرفعت يدي الى الموجد وشكوت له ما يفعل بعض الطفيليين في حصة الآنسة "نفس" وشكوت له أيضا صعوبة دروس الحياة , فاهتديت بهداه وحده أن أذهب الى المكتبة وأحضر كتابا خارج المقرر الدراسي ... في الحقيقة كان ضمن المقرر لكن على الأغلب والراجح أنه صنف مرجعا لأنه الحل لمن صعب عليه الفهم في كتب المدرسة ...رباه...كان كتابا فريدا ومرجعا وحيدا في تلك المكتبة ...مرجع قيم ...نسخت منه نسخ وشكلت لنا المكتبة ...انه كتاب "القرآن" ...المعذرة ...اريد أن اعيد اسمه على مسامعكم ...انه كتاب القرآن .
حملته وجريت به الى الآنسة نفس فوضعته على مكتبها وفتحته ليخرج منه نور يصل عنان السماء , خاف الطفيليون منه وفولوا عن حصتها لكن بمجرد أن تنسى آنستنا الحبيبة نفس احضاره معها حتى يعود الحمقى ليعيثوا في الدرس مفسدين ...
انبهرت بكتاب القرآن فسألت الأستاذ "ذكاء" حفظه الله ورعاه عنه فقال :"كيف تسألين هذا ألا تعلمين أنه كلام الله ...بنيتي اقرئيه فهو دواء للسقيم شفاء للعليل" فقلت بصوت مطمئن أي نعم أبي ومعلمي...
مرت السنوات وكنت أرسب في دروس الحياة كثيرا لكنني ومع كل علامة صفر أتحسن قليلا حتى أصبحت في بعض الأحيان أحس في داخلي أن علاماتي دون المقبول أو مقبول على العموم...ربما هي ليست جيدة كفاية , لكن الحمد لله هي ليست صفرا الآن ...
أنا خائفة جدا سوف يأتي يوم التخرج لامحال سمعت أن الكثيرين رسبوا فيه ولم نعلم عن مصيرهم شيئا لكنني عرفت أن الذين اجتازوا امتحان التخرج سوف يقابلون يوما ما "الموجد" الله عز وجل ...عرفت في المدرسة اني لو نجحت في امتحان التخرج وهو أصعب امتحانات الحياة ...يأتي فجائيا ويكون عصيبا ...سوف أنتقل الى سكن عظيم يسمى سكن ما بعد الحياة وسوف أرى منازل الجنة ومنازل النار ...اذا كانت علامات الحسنات أكثر من علامات السيئات فسوف اسكن منازل الجنة واذا كان العكس فسأسكن منازل النار التي أنا أدرس بجد كي لا ألاقيها وأعوذ بالموجد منها .
سوف أحاول بكل نبضة حياة تنبعث مع أنفاسي أن أبرع في مدرستي وأستغل كتب المواد الدنيوية ومرجعي العظيم كي يتاح لي السكن حيث أريد ...حيث يمكنني أن أرى العظيم الموجد اذا هو أراد حينها....
بقلم صديقتي عبير مزاري