ثواب الطاعة و عقابالمعصية
يقول الله في كتابه الكريم: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَيَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَأَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَيُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌوَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُلَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَابَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُواْ ادْعُلَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَاوَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَابَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّشِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْيَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌمَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِياللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} البقرة الآيات 67 – 73
تشير هذه الآيات إلى حادث وقع في بني إسرائيل [كما ذكره الإمام القرطبيفي تفسيره] وهو أن رجلاً كان غنياً من بني إسرائيل ولم يكن له ذرية وكان له أبن أخفقير فطمع في ميراثه فقتله وألقى به في حي من أحياء قومه [محلة بني قلان] وأدعىقتله على بعض الأسباط ل [قال عكرمة وكان لبني إسرائيل مسجد له أثنى عشر بابا لكلقوم باب يدخلون منه فوجدوا قتيلاً في سبط من الأسباط فأدعى هولاء على هولاء].
فتدافعوا فيما بينهم قتله ثم أتوا موسى عليه السلام يختصمون إليه فقال : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} فكان جوابهم لموسى عليهالسلام أن قالوا أتتخذنا هزواًُ فكان جوابه عليهم (أن استعاذ بالله أن يكون منالجاهلين) لأنها صفة تنتفي عن الأنبياء وهذا قول لا يجوز أن يقال لنبي ظهرت معجزتهلقومه [وكان الواجب عليهم إن يمتثلوا للأمر ولكنهم لقلة طواعيتهم وتعنيتهم لميمتثلوا ولو أنهم امتثلوا الأمر وذبحوا أي بقرة كانت لحصل المقصود، ولكنهم شدوا علىأنفسهم فشدد الله عليهم].
وعلى عادة بني إسرائيل في اللجاجة قالوا لموسىأدع لنا ربك يبين لنا ما هي؟
فأجابهم بأن الله تعالى يقول: أنها بقرة لاكبيرة ولا صغيرة ولكنها متوسطة بين الأمرين وحدد لهم الأمر ونبههم على ترك التعنتوكما هو الشأن في بني إسرائيل أعادوا السؤال قائلين: أدع لنا ربك يبين لنا ما لونها؟ فأجابهم بأن الله تعالى يقول لهم [إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين أنهابقرة لونها أصفر شديد الصفرة حين يراها الناظرون تدخل عليهم مسرة في نفوسهم لشدةملاءمتها لمن يراها].
فلما سألوا موسى بعد ذلك عن تحديد ماهية تلك البقرةلاشتباه كثير من البقر في تلك الأوصاف أجابهم موسى عليه السلام بأن الله تعالى يقولإنها بقرة لم يذللها العمل لأنها بقرة وحشية فلا هي مذللة ولا هي مدربة على حرثالأرض أو سقي الزرع وهي خالصة اللون لا تشوبها في لونها علامة.
فأجابوهقائلين : الآن جئت بالحق فكأن الذي قاله من قبل لم يكن حقا ولم يستيقنوه إلا الآنولم يجدوا هذه الصفات في بقرة من البقر إلا في بقرة واحدة لولد من بني إسرائيل كانأبنا لرجل صالح منهم وكان يعمل حطابا فولد له ولد وكانت له عجله فأرسلها في غيضه فيالجبل وقال اللهم أني أستودعك هذه العجلة لهاذا الصبي ومات الرجل وابنه صغير ، فلماكبر الصبي فقالت له أمه وكان براً بها إن أباك أستودع الله عجلة لك فأذهب وخذهافذهب ، فلما رأته البقرة جاءت غليه حتى اخذ بقرنيها وكانت مستوحشة فأخذ يقودها نحوأمه ، فلقيه بنو إسرائيل ووجدوا البقرة التي على الصفة التي أمروا بذبحها فساموهفأشتط عليهم وكانت قيمتها ثلاثة دنانير فأتوا به موسى عليه السلام فقالوا أن هذاأشتط علينا.
فقال لهم : أرضُوه في ملكه فأشتروها منه بوزنها عشر مرات ذهبوقيل بملء جلدها دنانير . فأخذوها وذبحوها وأخذ لسانها وضربوا به القتيل فأحياهالله وأخبر عمن قتله فقيد منه وحاق به فكره السجاء ولم ينل من دينه ولا من ميراثهشيئاً وإلى هنا نقف لنأخذ العبر من القصة.
واول العبر هو أن العمل الصالحينفع الله به الذرية ويبقى أثره ممتدا الى الاجيال المتعاقبة. فقد كان الرجل الصالحالحطاب فقيراً لم يملك شيئاً إلا هذه العجلة التي لا تكاد في دنيا الناس تساويشيئاً إلا ثلاثة دنانير فبيعت بوزنها أو بملء جلدها دنانير ليصير أبنه من أثرياءبني إسرائيل ولم يكن ذلك بجهد منه ولا من ولده وانما كان نتيجة العمل الصالح الذيكان عليه أبوه كما قال سبحانه وتعالى: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاخافوا غليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا}.
وشبيه بهذا ما قصهاللهتعالى في قصة الجدار الذي كان في القرية لليتيمين الذي كان تحته كنز لهما وكانأبوهما صالحاً في لقاء موسى مع العبد الصالح في سورة الكهف فأراد ربك ان يبلغاأشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وقيل أنه كان الجد السابع لهما فأنظروا كيفأمتد أثر عمله الصالح للجيل السابع من ذريته.
وثاني العبر أن الله تعالى إذاأستودع شيئاً حفظه ونماه وبارك فيه فلن يدركه تلف ولن نلحقه خسارة فا قيمة عجلةصغيرة أستودعها الوالد الكبير الفقير لولد صغير يتيم ضعيف وسط غيضة في جبل فحماهاالله من الوحوش والسباع حتى كبر ولده.
وثالث العبر أن عقاب المعصية لن يفلتمنه أصحابها وان المكر السئ لا يحيق إلا باهله وأن من يزرع الشر لا يحصد إلاالندامة [وأن من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا] فهذا الذي قتل عمه يريد أخذ ديته وأنيرث ماله قد فضح الله أمره وأظهر فعله فلم يجد إلا الفضائح بين قومه ولم ينل مايتمنى من المال والميراث ولو أنه صبر ولم يتعجل نصيبه لأثاره حلالا ولكنه تعجلهبالمعصية فحرم منه.
كما يقول صلى الله عليه وسلم : إن العبد ليحرم الرزقبالذنب يصيبه وكما قال سبحانه: {إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهميظلمون} فحل به العقاب بما ارتكب من معاصي وبما أقترف من خطايا فأنظر كيف كان عاقبةمكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا.
ورابع العبرهو ما جبل عليه بنو إسرائيل من اللجاجة والتشدد وعدم الأمتثال لأمر الله وأنهمشددوا فشدد الله عليهم حتى قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أو أشد قسوة.
وخامسالعبر هو قدرة الله وبيانه كيف يحيي الله الموتى ليري الناس آياته ويؤمنوا بأنالبعث حق بعد الموت وأن الله يبعث من في القبور حتى يستعد الناس ليوم تذهل فيهالمرضعة عما أرضعت وتضع فيها الحامل حملها.
وسادس العبر أن الله أحيا القتيلفأخبر عمن قتله ليمحوا الريب وليزيل الشكوك التي أحاطت بمقتله ليحق الحق ويبطلالباطل بأوثق البراهين وأقوى الأدلة ، والله الهادي سواء السبيل.
وسابعالعبر أن الشح والبخليولدان الحقد والبغضاء والكراهية والعداوة