نبذة عن زهرة النرجس
نبذة عن زهرة النرجس
الأزهار أصناف متباينة الأشكال والألوان والرائحة ولعل من أجملها النرجس،
وهو نوَّار أصفر، في نوره انكسار وفتور لا يكاد يرى، وله ورقة قائمة. وقد
تمادى إنكار أدباء عصرنا تشبيه العين بهذا النوار الأصفر، فأكثرهم ينكر أن
يقع به تشبيه لأجل صفرته، وإن ذكرته لأحد قال: وأي صفرة في العين إلا أن
يكون بصاحبها علة اليرقان؟ ويستهجن موضع التشبيه.
ولكن هذا ليس دقيقاً ويدل على عدم معرفة كلام العرب وتشبيهاتها؛ لأن العرب
توقع تشبيهاً على الصور دون المعنى وعلى المعنى دون الصور وعليهما جميعاً
وهو أكمل الوجوه، وتشبه العينين بالنرجس إذا كان بهما فتور كما قال ابن
المعتز:
وسنان قد خدع النعاس جفونه
فحكى بمقلته ذبول النرجس
والنرجس عند أهل المشرق نبات له قضبان خضر في رؤوسها أكمام يخرج منها نور،
ينبسط منه على الأقماع ورق أبيض في وسط البياض دائرة قائمة من ورق صغير.
وبذلك وصفه كسرى أنو شروان فقال: النرجس ياقوت أصفر بين درٍّ أبيض على زمرد أخضر. وقد أخذه بعضهم فقال فيه:
وياقوتةٍ صفراء في رأس دُرةٍ
مركبة في قائم من زبرجد
كأن بهيّ الدر عقد نظامها
فريد أنيق قد أطاف بعسجد
وأنشد أبو عون الكاتب في كتاب التشبيه له، فقال: من جيد ما قيل في النرجس ما أنشده المبرد رحمه الله تعالى:
نرجسة لاحظني طرفها
تشبه ديناراً على درهم
وقد أجاد أبو نواس في وصف النرجس وكشف قناع الشبهة وبيّن مواقع التشبيه غاية البيان حيث قال:
لدى نرجس غضّ القطاف كأنه
إذا ما منحناه العيونَ عيونُ
مخالفة في شكلهن وصفرة
مكان سوادٍ والبياض جُفون
وقال أبو عبدالملك بن فرج في كتاب الحاس والمحسوس: أحسن بيت أنشدنيه أبو جعفر البغدادي رحمه الله:
مَدَاهِنُ درّ بين أوراق فضّة
على قيس شبر أخضرٍ كالزّبرجد
وكذلك قال الشاعر ابن المعتز مشبهاً النرجس بالعيون والطلّ بالدموع:
كأن عيون النرجس الغض بيننا
مداهن در بينهن عقيق
إذا بلهن القطر خلت دموعه
بكاء عيون كحلهن خلوق
ولكن هذه الصفة التي أثبتها أهل المشرق للنرجس هي التي يصف بها أهل المغرب البهار كما قال ابن دراج القسطلي:
بهار يروق بمسك ذكي
وصنع بديع وخلق عجب
غصون الزبرجد قد أورقت
بها فضة نورت بالذهب
والذي تسميه أهل المغرب نرجساً يسميه أهل المشرق بهاراً، ولذلك قال حبيب في ذلك:
إن وجه الحمَّى لوجه صفيق
حين تسطو به نهاراً جهاراً
لم تشن ورد وجنتيه ولكن
صيرت ورد وجنتيه بهارا
وبلون النرجس يشبه أهل الغرب ـ أي الأندلسيون ـ المريض كما قال ابن الزقاق:
وغزال ذي اعتدالٍ شَفَّهُ
بعدما شق هواه الأنفسا
جارت الحمّى على وجنتيه
فاستحال الورد منه نرجسا
وبذلك يثبت مما تقدم أن نرجسهم بهارنا وأن بهارهم نرجسنا، وبذلك يكون تشبيه
العين بنرجسهم (أهل الغرب) أبين لتعلقهم بالصورة وأن تشبيهها بنرجسنا (أهل
المشرق العربي) أدون لتعلقه بالمعنى، وهو مع ذلك متمكن في باب التشبيه وأن
اسم النرجس لابد فيه من صفرة.
وأياً كان النرجس فليس أجمل من ذلك البيت الشعري الذي مفاده:
فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت
ورداً وعضّت على العناب بالبرد
===========
منقول