معنـى جمع القرآن الكريـم
المطلب الأول: معنى الجمع في اللغة
الجَمْع: مصدر الفعل "جَمَع"، يقال: جمع الشيء يجمعه جمعا.
قال الجوهري المتوفى سنة 393هـ: (أجمعتُ الشيءَ: جعلته جميعا، والمجموع: الذي جُمِعَ من هاهنا وهاهنا وإن لم يجعل كالشيء الواحد) ( )
وقال الراغب الأصفهاني المتوفى سنــة 502هـ: (الجمع: ضم الشيء بتقريب بعضِهِ من بعض، يقال: جمعته فاجتمع) ( )
وقال ابن منظور المتوفى سنة 711هـ: (جَمَعَ الشيءَ عن كل تفرقة يجمعه جمعا، واستجمع السيل: اجتمع من كل موضع، وجمعت الشيء: إذا جئت به من هاهنا وهاهنا، وتجمَّع القوم: اجتمعوا أيضا من هاهنا وهاهنا) ( )
وقال الفيروز ابادي المتوفى سنة 817هـ: (الجمع: تأليف المُتَفَرِّق) ( )
ويلاحظ في هذه المعاني أن اشتقاق كلمة "جَمَع" تدل على الجمع والاجتماع والتأليف، وضم المتفرق فجمع الشيء استقصاؤه والإحاطة به.
المطلب الثاني: معنى جمع القرآن في الاصطلاح
جمع القرآن الكريم يطلق في علوم القرآن على معنيين:
أحدهما: جمعه بمعنى حفظـه في الصدور عن ظهر قلب، ويدل له قوله تعالى { • } ( ) (القيامة: 17) أي: جمعه في صدرك، وإثبات قراءته في لسانك ( ) وما جــاء { عن عبد الله بن عمـرو أنـه قــال: " جمعـتُ القرآن فقرأته كلَّه في ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليـه وسلـم: إني أخشى أن يطول عليك الزمـان، وأن تملَّ، فاقرأه فـي شهـر، فقلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي قال: فاقـرأه في عشرة، قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: فاقـرأه في سبع، قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي فأبى } ( ) ( ) فمعنى قوله: جمعت القرآن أي: حفظته عن ظهر قلب.
ومنه قولهم: " جُمَّاع القرآن " أي: حفاظه.
الثانـي: جمعه بمعنى كتابته، ويدل له ما ورد في الحديث الذي أخرجه البخاري في قصة جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق ومما ورد فيه:
قول عمر بن الخطاب لأبي بكر - رضي الله عنهما: (وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن)
وقول أبي بكر الصديق لزيد بن ثابت - رضي الله عنهما: (فتتبع القرآن فاجمعه) أي: اكتبه كله.
وقول زيد بن ثابت (فتتبعت القرآن أجمعه من العسف واللخاف وصدور الرجال) ( )
وإذا نظرنا إلى أشهر أسماء القرآن الكريم، فإننا سنجد فيها اسمين يدلان على المعنيين:
الأول: القرآن.
الثاني: الكتاب.
فالاسـم الأول (القرآن) إشارة إلى جمعه عن طريـق المعنى الأول، وهو الحفظ في الصدور. فالقرآن: لفظ مشتق من الفعل "قرأ" بمعنـى تـلا، فهـو مرادف للقراءة، ودل علـى هـذا قولـه عز وجـل { } ( ) (طه:114) أي: لا تعجـل بقـراءة القـرآن قبـل أن ينتهي جبريـل من قراءتـه. وقولـه تعـالى { • } ( ) (الإسراء: 78) أي: قراءة القرآن في هذا الوقت تشهدها الملائكة ويشهدون بها.
قال اللحياني ( ) وجماعة من أهل اللغة: (قرآن: مصدر كغفران، سمي بـ "المقـروء" أي المتلـو، تسميـة للمفعول بالمصـدر، ومنـه قولـه تعالـى { • • } ( ) (القيامة: 17 ، 18) أي: قراءتـه، والمراد: جبريل عليه السلام. ومنه كذلك قول حسان بن ثابت يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنهما:
ضَحُّوا بأشمطَ عنوانُ السجود به
يُقَطِّعُ الليلَ تسبيحا وقرآنا ( )
أي: قراءة. ويقال: قرأ الرجل، إذا تلا، يقطع قرآنا وقراءة ( )
والاسم الثاني (الكتاب) إشارة إلى جمعه عن طريق المعنى الثانـي وهو الحفظ في السطور، فالكتاب في الأصل مصدر، ثم سمي المكتوب فيه كتابا. ( )
قـال السخاوي المتوفى سنة 643هـ " ومن أسمائه - أي القرآن - الكتاب، سمي بذلك، لأن الكَتْبَ الجمع يقال: كتب إذا جمع الحروف بعضها على بعض، وتكَتَّب بنو فلان، أي: اجتمعوا ( ).
وقـال الدكتـور محمد دراز: روعي في تسميتـه قرآنا كونـه متلـوا بالألسن، كما روعي في تسميته كتابا كونه مدونا بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه.
وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعا... فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسـم المجمع عليه من الأصحاب، المنقول إلينا جيلا بعـد جيـل، على هيئته التي وضع عليها أول مرة، ولا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح المتواتر. ( )
وحين يتحدث المؤلفون في علوم القرآن عن موضوع جمع القرآن الكريم فإن أغلبهم يطلق عبارة جمع القرآن الكريم في زمن النبي وجمعه في عهد أبي بكر الصديق وجمعه في عهـد عثمان بن عفـان رضي الله عنـه، ويريدون بالجمع معانـي مختلفـة، فبتدبر الأمر وتتبع الروايات نجد أن لفظ الجمع حين يطلق في زمن النبي يقصد به حفظه عن ظهر قلب وكتابته على الأدوات المتوفرة ذلك الوقت. وحين يطلق في عهد أبي بكر الصديق يقصد به كتابة القرآن الكريم في مصحف واحد مسلسل الآيات مرتب السور. وحين يطلق في عهد عثمان بن عفان يقصد به نسخ المصحف الذي كتب في عهد أبي بكر بمصاحف متعددة. منقووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول للفائدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توقيعي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ