لانترنت وعلاقته بالثقافة والأدب !؟
هل نستطيع القول بان الانترنت قد فتح مجالا واسعا للمواهب -على أنواعها- بمختلف انتماءاتها الطبقية والعرقية والاجتماعية لتعبر عن نفسها بهذا الشكل الصارخ ؟ قاذفة عبر هذه النافذة الساحرة بكل ما تحتفظ به -وتتحفظ عليه- من مخزونها العاطفي ووعيها الاجتماعي ورقيها الروحي ولما لا شذوذها وعقدها وأمراضها النفسية دون أي تفكير في العواقب !؟.
هل هو مجرد لعبة جديدة وحديثة ووسيلة للتسلية وتعبئة لأوقات الفراغ تعوض -لبعض الميسورين من الناس في عالمنا العربي- على النقص الحاصل في الروابط الاجتماعية وتفكك الأسرة وفقدان الثقة والمحبة مع الغير نتيجة الثقافة الجديدة التي تغزو مجتمعاتنا ؟.
أم هو حاجة ماسة وضرورية لدى البعض لاختصار الزمن وطوي المسافات في البحث عن المعرفة بكل أشكالها (حتى الإباحية منها) ليشفي غليله من الحرمان الذي لحق به خلال سنين مضت كان مشغولا فيها بتحقيق نجاحه في عمله واعتناءه بعائلته !.
أم انه لم يكن -عند البعض الآخر- أكثر من فرصة جديدة تعوض لهم فرصهم الضائعة في تحقيق أحلامهم وأمانيهم للتعبير عن مواهبهم الدفينة المؤجلة في خضم معمعة الحياة التي أبعدتهم عنها لضروريات مهنية أو اجتماعية قاهرة !؟.
وما هو موقف المثقفون والكتاب العرب أمام هذه الظاهرة الجديدة (النشر الالكتروني) وهل يفي بحاجتهم الماسة للتواصل مع جمهورهم والتعريف بهم وبأعمالهم بديلا عن النشر الورقي... وهل يمس هذا النشر بهيبتهم وسمعتهم الأدبية وصورتهم الجديّة المحافظة والتي لم يبخلوا في الظهور والعناية بها أمام الملأ !؟.
كلها أسئلة تستحق مئات الصفحات من الدراسة والتمحيص والبحث في الجوانب الاجتماعية
والنفسية والاقتصادية التي أدت إلى هذه الفورة الغير طبيعية متمثلة بفيض هائل من المواقع الالكترونية الأدبية والأدباء والكتاب والشعراء لم نكن نعرفهم أو نعلم بوجودهم منذ حين !؟.
فهل هذه الحالة تعكس التطور الطبيعي المأمول للثقافة والمثقفون العرب ؟؟؟.
أم هي فورة عابرة تشبه ثورة البراكين الغاضبة بعد فترة طويلة من الاحتقان الاجتماعي والحرمان الاقتصادي والسياسي !؟.
يقول الأستاذ د. نضال صالح في كتابه "القصة القصيرة في سورية قص التسعينيات" حول النشر الورقي في سوريا خلال عقد التسعينات بأنه يمثل (ذروة ما وصل إليه الخط البياني المحدد لمسار التجربة القصصية السورية، فقد صدر فيما بين عامي 1990 و 1999 ما يزيد على خمسمائة وتسع وعشرين مجموعة قصصية، لنحو مائتين وخمسين قاصاً وقاصة، أي بمعدل ثلاث وخمسين مجموعة كل سنة، ومجموعة كل سبعة أيام!! وقد بلغت هذه الذروة حدها الأعلى في السنة الأخيرة من التسعينيات، التي شهدت وحدها صدور نحو ست وسبعين مجموعة، أي مجموعة كل أربعة أيام تقريباً!!). ((الوضع السوري مثال عما يحدث في العالم العربي))
وقد أعاد أسباب هذا التوسع في النشر إلى عدة عوامل منها زيادة عدد دور النشر ومساهمة الدولة عبر اتحاد الكتاب العرب إلى نشر أعمال عدد من الكتاب الذين اثبتوا حضورهم ما قبل التسعينات هذا بالإضافة إلى المسابقات الأدبية المحلية والعربية !؟... وأنا رغم اتفاقي معه على ما ذكر أحب أن أضيف عدة ملاحظات حولها منها:
1-رصدي -من خلال زيارتي لعدد من معارض الكتاب- لتلك الظاهرة التعيسة للنشر الورقي حيث عكف الكثير من الكتاب إلى نشر عملين أو أكثر بأعداد لا تتجاوز المئات لإثبات حضورهم ومساعدتهم للانتساب إلى اتحاد الكتاب العرب !؟.
2-تكلف الكتاب شخصيا وعلى نفقتهم الخاصة بكامل الأعباء المالية مع ما يرافقه من توزيع مجاني لأكثر من ثلثي إصداراتهم كدعاية وهدية إلى أصدقائهم ومقربيهم !!!؟؟؟. بحيث لا يحصدون في النهاية أي اعتبار مادي أو معنوي إلا تحقيقهم لرغبات دفينة وأحلام جميلة لطالما راودت خيالهم !!!...(بعض الموزعون والمكتبات يتململون حتى بقبول أعدادا لا تتجاوز أصابع اليد تعرض عليهم مجانا مقابل عرضها ضمن كتبهم !!!؟؟؟.)(لان الدارج والأكثر طلبا هي الكتب المتخصصة في الطبخ والرياضة والجمال والتخلص من السمنة؟.)
3-النشر في الدوريات المحلية أو الإقليمية أو حتى المسابقات الأدبية على أنواعها وجهاتها تتم بانتقائية غريبة وتفاهم على توزيع الأدوار من خلال المنفعة المتبادلة والشخصية للقائمين عليها دون أي اعتبار للموهبة أو القيمة الفنية للعمل !؟...
4-غالبية من مارسوا الكتابة غير ممتهنين لها (لعدم مردودها المادي وكفالتها للعيش الكريم لمن يمتهنها) فهم يمارسونها كهواية لملء الفراغ لا أكثر ولهذا فلقد شهدنا كتاب يمارسون مهن مختلفة ولا يرتبطون بالكتابة إلا بالاسم !؟.
أما وقد حللنا في عصر النشر الالكتروني ودخول الانترنت الحياة العامة للناس -منذ أعوام قليلة لا تتعدى الخمس سنوات- كوسيلة بسيطة وسهلة تجعل من العالم المترامي الأطراف أكثر قربا من أي وقت آخر بحيث تضاءلت المسافات حتى أصبحت تشبه أي حي بسيط من أحياء أي مدينة... كل فرد فيه يعرف ويلتقي ويهتم ويحتفل مع أفراده الآخرين وكأنه على صلة قرابة بهم !؟. كان لابد للعالم العربي من مواكبة هذا التحول الحاصل في مجال الاتصالات واعتماد الانترنت والنشر الالكتروني من خلاله كواقع حتمي لا بد من مجاراته إذا ما رغب حقا في دخول هذا القرن جنبا إلى جنب مع الدول المتقدمة دون تأخير.
وقد مرت مرحلة النشر الالكتروني (الأدبي منها) بمرحلتين
الأولى: وتمثلت بما يشبه جس النبض أو الاختبار في التعامل مع هذا المجهول الجديد القادم إلينا من خلف الفضاء والمحمول إلينا عبر الأثير، لا يربطنا به سو خط هاتفي بسيط بكل ما يحمله هذا من غموض وخوف !... وقد كثرت وانتشرت في هذه المرحلة المنتديات في كل أشكالها وكانت للأقسام الأدبية حصة الأسد فيها وظهرت كتابات تحمل تجارب جديدة لكتاب يتخفون وراء أسماء مستعارة خوفا من النقد أو امتحانا لمواهبهم ومقدراتهم الإبداعية من خلال رصد تأثيرها على القراء وردة فعلهم عليها.
والثانية: وهي مرحلة التخصص وظهور المواقع الملتزمة المتخصصة -ومنها الأدبية- بحيث أصبح الكتاب يتمتعون بالثقة الكافية في النفس ويظهرون مكشوفي الأوجه ويوقعون أعمالهم الأدبية بأسمائهم الصريحة.
ومع تطور هذه العلاقة الودودة بين الناشر (المواقع) من جهة وبين الكاتب والقارئ من جهة أخرى ظهر نوع من التآلف والتعاون فيما بينهما بما يشبه الاتفاق (العرف) على مبادئ عامة (وثيقة شرف) غير مكتوبة بين الطرفين يتبادل كل منهما مصلحته مع الطرف الآخر في حدود الاحترام المتبادل مستفيدين من الخبرة الجديدة في أصول التعامل مع الغير عبر الانترنت من خلال احتكاكهم وممارساتهم اليومية مع مفردات لبقة لم يعهدوها من قبل.
وهو ما سهل انتشار وتطور هذا النوع من المواقع والمنتديات لملء هذا الفراغ الحاصل في التعريف ونشر أعمال كتاب وشعراء وأدباء مغمورون يتمتعون بكثير من الموهبة وتمتاز أعمالهم بالكثير من الجراءة والصراحة والإبداع ولا ينقصها إلا يد أمينة مخلصة وصبورة تأخذ بهم بعيدا عن المحسوبية والبيروقراطية والتسلط التي امتازت بها المؤسسات الحكومية والرسمية وهو ما سهل قيام اتحاد كتاب الانترنت العرب بعد إن حلت المواقع الأدبية كموقع القصة السورية مشكلة النشر فأصبحت هي بدورها دورا للنشر الالكتروني كبديل عن دور النشر الورقية ؟.
ونظرة بسيطة على المواقع التي ازدهرت وانتشرت بشكل واسع في أوساط المتعلمين أو المثقفين في العالم العربي يعطينا فكرة واضحة عن هذا الفراغ الحاصل وفي شتى الميادين والحاجة الماسة لملئه خوفا من أن تحتكره الشركات الأجنبية صاحبة النفوذ والخبرة في هذا المجال مع يتبعه من مخاطر نفسية وأخلاقية واجتماعية عليها !؟؟؟.
وكان للمواقع الثقافية العربية والأدب العربي على وجه الخصوص مساهمة ملفتة للنظر تمثلت بآلاف المواقع والمنتديات العامة والشخصية والتي بدأت بهمة وحماس وإخلاص وانتهى الكثير منها ضحية الإحباط أو الملل أو مجرد القرف أو الإفلاس في الأفكار والموارد !؟.
أما القلة الملتزمة منها والتي تتبع في غالبها مؤسسات حكومية أو خاصة ولها كوادرها الفنية وإمكانياتها التقنية وميزانيتها المالية والتزاماتها الأخلاقية والوطنية كمصدر مهم ومتخصص للمعلومات، فهي تثير الإعجاب !. وتفرض الاحترام. ولو أن مصير هذا الجهد الهائل الذي يقومون به يبقى مجهولا وأسير أقراص مضغوطة -تحتاج دائما للصيانة والتحديث والعناية- لا نعرف مستقبل لها وهي رهينة كبسة زر من شركات أجنبية كبرى لا يهمها إلا الربح ولا نملك إلى الآن بديلا مستقلا عنها !!!؟؟؟.
قد لا نستطيع القول بان معظم الهواة ممن اوجدوا لأنفسهم مكانا على الشبكة العنكبوتية العملاقة (خاصة المنتديات وهي تعد بالآلاف) قد تجاوزوا الفخاخ التي صاحبت انتشارهم. ودخولهم عالم الإثارة والفضائح من خلال تناولهم للشؤون العامة من زوايا رخيصة جدا وتافهة ومكررة وفقدان الضوابط الأخلاقية التي تعطيها المصداقية في عملها وهذا ما نأسف عليه وندينه مع ما يخلفه وراءه من خسارة جسيمة للأخلاق والمال وفساد في جيل ناشئ كامل من هذه الأمة لا يتمتع بالحصانة الكافية من هذه الأمراض الجديدة القادمة من ما وراء البحار !!!؟؟؟